الخميس، 3 مايو 2012

أعترافات الكاتب الجزء الثالث : الذهاب للمقصلة !!

اليوم نهار جديد قد أطل على منزلنا العامر وقد أفاق أهل البيت جميعهم كبير كان أو صغير من النوم، فالحدث جلل ولاشك في ذلك !!
اليوم يلتحق أبنهم البكر بأول فصول العلم والجميع يحلم أن أصبح طبيبا أو مهندسا بذات اليوم وكأن مدرستي كلية جامعة وأنا نيوتن !!!
ورغم أن حارتنا لم تكن تبتعد كثيراً عن شارع المدرسة الا أنني مازالت أتذكر كم كانت خطواتي بطيئة وأنا في طريقي إليها لدرجة أني قد حفظت ملامح الحارة والشارع وبدقة تفصيلية متناهية !!
أنه اذن يومي الأول في مدرستي وقد حاكت لي والدتي حقيبة متواضعة من القماش كانت تعرف حينها ب"الخريطة" ولا يعتقد أحد منكم أنها خريطة للوطن العربي ذات أبعاد جغرافية ،أنها بمنتهى البساطة حاوية لأقلام وكتب ودفاتر المستقبل ، لهذا الطفل الذي أمضى المسافة بكاملها من البيت للمدرسة ودموعه "أرباع أرباع" وكأنه في طريقه لساحة الحرب!!!
ولأني ذاهبا لساحة الوغى كما كنت أعتقد حينها كان لابد من تجهيزي بمختلف أنواع أسلحة الصمود فما كان من جدتي الرائعة الا وأحضرت لي حبتان من البندوره وخيارة واحده ورغيف من خبز القمح وقالت ودموعي تنهمر كالشلال " إياك ما تأكلهم بالفرصة عشان تكسر الصفره"....
اما جدي فكان كثير العشق للعلم  وكثير "الغلبة كما يقولون" قرأ على مسامعي أهمية العلم وأنهى حديثه بالدعاء الوطني المعتاد ببلدنا "الله يطرح النا فيك البركة" ومد يده بجيب جلبابه الأبيض كأنه يهم بإخراج دفتر الشيكات وبعد بحث مستفيض إعطاني مليماً !!
أتذكر أن عمي كان ممسكاً بيدي طوال الطريق لا ادري هل كان يعتقد أني هاربا أم بحاجه لدليل يرشدني لباب المقصلة ؟!!!
أنتهي الطريق وكنت أتمنى الا ينتهي ابداً ....وها أنا الان امام بوابة المدرسة حيث خليط من الأطفال القادمين من مختلف الحارات وأحسست حينها أني مقدم على حالة انتحار حتمية ...
وتساءل عقلي الصفير ...كيف لي أن أصافح جميع هؤلاء التلاميذ أو أصارحهم بخوفي....وهل يخافون مما أخاف ....
ولزيادة حالة الرعب في أوصالي تركني عمي بعد أن قام بتسليم الضحية لحاجب المدرسة "العم ابوسالم" ذلك الهرم الذي لا يرى تحت اقدامه الا انه يستعين بعصاة من النوع الطويل المصنوعة من الخيزران وأظنها ذات فعالية عظمى.....
ورغم أني لم أكن لأحب عمي هذا كثيرا الا أنني وددت لو لم يتركني !!
انتظمت طوابير المدرسة وخرج علينا شنب يخفي وراءه رجل ... انه مدير المدرسة شيئاً أكبر من أبو الهول في سكونه الأبدي وبدأ يصيح بالتلاميذ ليصطفوا مثل "البشر " وحينها أحسست أن جدران المدرسة الطينية قد انهالت على رأسي وكأني المقصود الوحيد بهذا الصراخ !!!
دقائق معدوه وأصبح الجميع في الصفوف ومعنا أستاذ لا يقل فظاعة عن شكل ناظر المدرسة الا انه كان يضع عصاة تحت أبطه وأعتقد أنها حتماً كانت في طريقها الى رأسي !!
كتب الأستاذ "عبد المجيد" في أعلى الصبوره بسم الله الرحمن الرحيم ، الدرس الأول ....
نعم... أنه يومي الأول في الذهاب للمدرسة وسيبقى محفوراً بذاكرتي طالما حييت .... هو اليوم الذي أحدث تحولاً نوعياً في سائر حياتي...
                                                دمتم طيبين....
 الثلاثاء, 02 يونيو, 2009

1 التعليقات:

Anonymous يقول...

شكرا استاذي لمشاركتنا ذكرياتك
لك احترامي
نوغا

المتابعون

المشاركات الشائعة

يتم التشغيل بواسطة Blogger.